فصل: باب جواز العمرة في جميع السنة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 أبواب مواقيت الإحرام وصفته وإحكامه

 باب المواقيت المكانية وجواز التقدم عليها

1 - عن ابن عباس قال ‏(‏وقت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم قال فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة فمن كان دونهن فمهله من أهله وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها‏)‏‏.‏

2 - وعن ابن عمر ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن قال ابن عمر وذكر لي ولم أسمع أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ومهل أهل اليمن من يلملم‏)‏‏.‏

متفق عليهما زاد أحمد في رواية وقاس الناس ذات عرق بقرن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقت‏)‏ المراد بالتوقيت هنا التحديد ويحتمل أن يريد به تعليق الإحرام بوقت الوصول إلى هذه الأماكن بالشرط المعتبر‏.‏ وقال القاضي عياض وقت أي حدد قال الحافظ وأصل التوقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة ثم إتسع فيه فأطلق على المكان أيضا قال ابن الأثير التأقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة يقال وقت الشيء بالتشديد يؤقته ووقته بالتخفيف يقته إذا بين مدته ثم اتسع فيه فقيل للموضع ميقات‏.‏ وقال ابن دقيق العيد أن التأقيت في اللغة تعليق الحكم بالوقت ثم استعمل للتحديد والتعيين وعلى هذا فالتحديد من لوازم الوقت وقد يكون وقت بمعنى أوجب ومنه قوله تعالى ‏{‏أن الصلاة كانت على المؤمنين كنابا موقوتا‏}‏ ‏:‏ قوله ‏(‏لأهل المدينة ذا الحليفة‏)‏‏.‏بالحاء المهملة والفاء مصغرا قال في الفتح مكان معروف بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين قاله ابن حزم وقال غيره بينهما عشر مراحل‏.‏ قال النووي بينها وبين المدينة ستة أميال ووهم من قال بينهما واحدوهو ابن الصباغ وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب وفيها بئر يقال لها بئر على انتهى‏:‏ قوله ‏(‏الجحفة‏)‏‏.‏بضم الجيم وسكون المهملة قال في الفتح وهي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أوست وفي قول النووي في شرح المهذب ثلاث مراحل نظر وقال في القاموس هي على اثنين وثمانين ميلا من مكة وبها غدير خم كما قال صاحب النهاية‏.‏ قوله ‏(‏قرن المنازل‏)‏‏.‏ بفتح القاف وسكون الراء بعدها نون وضبطه صاحب الصحاح بفتح الراء وغلطة صاحب القاموس وحكى النووي الأتفاق على تخطئته وقيل أنه بالسكون الجبل وبالفتح الطريق حكاه عياض عن القابسي قال في الفتح والجبل المذكور بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان‏.‏ قوله ‏(‏يلملم‏)‏‏.‏ بفتح التحتانية واللام وسكون الميم بعدها لام مفتوحة ثم ميم قال في القاموس ميقات أهل اليمن على مرحلتين من مكة وقال في الفتح كذلك وزاد بينهما ثلاثون ميلا‏:‏ قوله ‏(‏فهن‏)‏‏.‏أي المواقيت المذكورة وهي ضمير جماعة المؤنث واصله لما يعقل وقد يستعمل فيما لا يعقل لكن فيما دون العشرة كذا في الفتح‏:‏ قوله ‏(‏لهن‏)‏‏.‏أي للجماعات المذكورة ويدل عليه ما وقع في رواية في الصحيحين بلفظ ‏(‏هن لهم أو لأهلهن‏)‏‏.‏على حذف المضاف كما وقع في البخاري بلفظ ‏(‏هن لاهلن‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولمن أتى عليهن‏)‏‏.‏ أي على المواقيت من غير أهل البلاد المذكورة فإذا أراد الشامي الحج فدخل المدينة فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها ولا يؤخر حتى يأتى الجحفة التي هي ميقاته الأصلي فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور وادعى النووي الإجماع على ذلك وتعقب بأن المالكية يقولون يجوز له ذلك وإن كان الأفضل خلافه وبه قالت الحنفية وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية وهكذا ما كان من البلد ان خارجا عن البلدان المذكورة فإن ميقات أهلها الميقات الذي يأتون عليه‏:‏ قوله ‏(‏فمن كان دونهن‏)‏‏.‏أي بين الميقات ومكة‏:‏ قوله ‏(‏فمهله من أهله‏)‏‏.‏أي فميقاته من محل أهله وفي رواية للبخاري ‏(‏فمن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ‏)‏‏.‏أي من حيث أنشأ الأحرام إذا سافر من مكانه إلى مكة قال في الفتح وهذا متفق عليه إلا ما روى عن مجاهد انه قال ميقات هؤلاء نفس مكة ويدخل في ذلك من سافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات ثم بد اله بعد ذلك النسك فإنه يحرم من حيث تجدد له القصد ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات‏:‏ قوله ‏(‏يهلون منها‏)‏‏.‏ الأهلال رفع الصوت لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الأحرام ثم أطلق على نفس الأحرام اتساعا والمراد بقوله يهلون منها أي من مكة ولا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات للأحرام منه وهذا في الحج وأما في العمرة فيجب الخروج إلى أدنى الحل كما سيأتي قال المحب الطبري لا أعلم أحدا جعل مكة ميقاتا للعمرة واختلف في القارن فذهب الجمهور إلى أن حكمه حكم الحاج في الأهلال من مكة‏.‏ وقال ابن الماجشون يتعين عليه الخروج إلى أدنى الحل قوله ‏(‏وقاس الناس ذات عرق بقرن‏)‏‏.‏سيأتي الكلام عليه‏.‏

3 - وعن ابن عمر ‏(‏قال لما فتح هذان المصران أتوا عمر بن الخطاب فقالوا يا أمير المؤمنين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حد لأهل نجد قرنا وأنه جور عن طريقنا وان أردنا قرنا شق علينا قال فأنظروا حذوها من طريقكم قال فحد لهم ذات عرق‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏

4 - وروى عن عائشة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والنسائي‏.‏

5 - وعن أبي الزبير ‏(‏أنه سمع جابرا سئل عن المهل فقال سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال مهل أهل المدينة من ذي الحليفة والطريق الآخر الجحفة ومهل أهل العراق ذات عرق ومهل أهل نجد من قرن ومهل أهل اليمن من يلملم‏)‏‏.‏

رواه مسلم‏.‏ وكذلك أحمد وابن ماجه ورفعاه من غير شك‏.‏

حديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري وقال في التلخيص هو من رواية القاسم عنها تفرد به المعافي بن عمران عن أفلح عنه والمعافي ثقة‏.‏ وحديث جابر أخرجه مسلم على الشك في رفعه كما قال المصنف وأخرجه أبو عوانة في مستخرجه كذلك وجزم برفعه أحمد وابن ماجه كما ذكر المصنف ولكن في إسناد أحمد ابن لهيعة وهو ضعيف وفي إسناد ابن ماجه إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو غير محتج به ـ وفي الباب ـ عن الحرث بن عمرو السهمي عند أبي داود‏.‏ وعن أنس عند الطحاوي‏.‏ وعن ابن عباس عند ابن عبد البر‏.‏ وعن عبد اللّه بن عمرو عند أحمد وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وهذه الطرق يقوى بعضها بعضا وبها يرد على ابن خزيمة حيث قال في ذات عرق أخبار لا يثبت منها شيء عند أهل الحديث وعلى ابن المنذر حيث يقول لم نجد في ذات عرق حديثا يثبت قال في الفتح لعل من قال أنه غير منصوص لم يبلغه أو رأي ضعف الحديث باعتبار أن كل طريق منا لا يخلو عن مقال قال لكن الحديث بمجموع الطرق يقوى وممن قال بأنه غير منصوص وإنما أجمع عليه الناس طاوس وبه قطع الغزالي والرافعي في شرح السند والنووي في شرح مسلم وكذا وقع في المدونة لمالك‏.‏ وممن قال بأنه منصوص عليه الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية والرافعي في الشرح الصغير والنووي في شرح المهذب وقد أعله بعضهم بأن العراق لم تكن فتحت حينئذ‏.‏ قال ابن عبد البرهي غفلة لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وقت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح لكونه علم أنها ستفتح فلا فرق في ذلك بين الشام والعراق وبهذا أجاب الماوردي وآخرون وقد ورد ما يعارض أحاديث الباب فأخرج أبو داود والترمذي عن ابن عباس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وقت لأهل المشرق العقيق‏)‏‏.‏وحسنه الترمذي ولكن في إسناده يزيد بن أبي زياد قال النووي ضعيف باتفاق المحدثين قال الحافظ في نقل الأتفاق نظر يعرف من ترجمته انتهى‏.‏ ويزيد المذكور أخرج حديثه أهل السنن الأربع ومسلم مقرونا بآخر قال شعبة لا أبالي إذا كتبت عن يزيد أن لا أكتب عن أحد وهو من كبار الشيعة وعلمائها ووصفه في الميزان بسوء الحفظ وقد جمع بين هذا الحديث وبين ماقبله بأوجه‏.‏ منها ان ذات عرق ميقات الوجوب والعقيق ميقات الاستحباب لأنه أبعد من ذات عرق‏.‏ منها أن العقيق ميقات لبعض العراقيين وهم أهل المدائن والآخر ميقات لأهل البصرة ووقع ذلك في حديث أنس عند الطبراني وإسناده ضعيف‏.‏ منها ان ذات عرق كانت أولا في مواضع العقيق الآن ثم حولت وقربت إلى مكة فعلى هذا فذات عرق والعقيق شيء واحد حكى هذه الأوجه صاحب الفتح‏:‏ قوله ‏(‏لما فتح هذان المصران‏)‏‏.‏بالبناء للمجهول‏.‏ وفي رواية للكشميهني ‏(‏لما فتح هذين المصرين‏)‏‏.‏بالبناء للمعلوم والمصران تثنية مصر والمراد بهما البصرة والكوفة‏:‏ قوله ‏(‏أنه جور‏)‏‏.‏ بفتح الجيم وسكون الواو بعدها راءاي ميل والجور الميل عن القصد ومنه قوله تعالى ‏{‏ومنها جائر‏}‏ ‏:‏ قوله ‏(‏فانظروا حذوها‏)‏‏.‏ أي اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها من غير ميل فاجعلوه ميقاتا وظاهره ان عمر حد لهم ذات عرق باجتهاد‏.‏ ولهذا قال المصنف رحمه اللّه والنص بتوقيت ذات عرق ليس في القوة كغيره فإن ثبت فيلس ببدع وقوع اجتهاد عمر على وفقه فإنه كان موفقا للصواب انتهى‏.‏

6 - وعن أنس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اعتمر أربع عمر في ذي القعدة إلا التي اعتمر مع حجته‏.‏ عمرته من الحديبية ومن العام المقبل ومن الجعرانة حيث قسم غنائم حنين وعمرته مع حجته‏)‏‏.‏

7 - وعن عائشة ‏(‏قالت نزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم المحصب فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال اخرج بأختك من الحرم فتهل بعمرة ثم لتطف بالبيت وبالصفا والمروة فجئنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو في منزله في جوف الليل فقال هل فرغت قلت نعم فإذن في أصحابه بالرحيل فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة‏)‏‏.‏

متفق عليهما‏.‏

8 - وعن أم سلمة ‏(‏قالت سمعت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول من أهل المسجد الأقصى بعمرة أو بحجة غفر له ما تقدم من ذنبه‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود بنحوه وابن ماجه وذكر فيه العمرة دون الحجة‏.‏

حديث أم سلمة في إسناده علي بن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي قال أبو حاتم الرازي شيخ من شيوخ المدينة ليس بالمشهور وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن كثير في حديث ام سلمة هذا اضطراب‏:‏ قوله ‏(‏أربع عمر‏)‏‏.‏ ثبت مثل هذا من حديث عائشة وابن عمر عند البخاري وغيره وأخرج البخاري من حديث البراء أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم اعتمر مرتين والجمع بينه وبين أحاديثهم بأن البراء لم يعد عمرته التي حجته لأن حديثه مقيد بكون ذلك في ذي القعدة والتي في حجته كانت في ذي الحجة وكأنه أيضا لم يعد التي صد عنها وإن كانت وقعت في ذي القعدة أو عدها ولم يعد الجعرانة لخفائها عليه كما خفيت على غيره ـ وفي الباب ـ عن أبي هريرة عند عبد الرزاق ‏(‏قال اعتمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ثلاث عمر في ذي القعدة‏)‏‏.‏وعن عائشة عند سعيد بن منصور ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اعتمر ثلاث عمر مرتين في ذي القعدة وعمرة في شوال‏)‏‏.‏قال في الفتح وإسناده قوي وقولها في شوال مغاير لقول غيرها‏.‏ ويجمع بينهما بأن ذلك وقع في آخر شوال وأول ذي القعدة ويؤيده م رواه ابن ماجة بإسناد صحيح عن عائشة بلفظ طلم يعتمر صلى اللّه عليه وآله وسلم إلا في ذي القعدة‏)‏‏.‏وفي البخاري عن عائشة ‏(‏أنها لما سمعت ابن عمر يقول اعتمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أربع عمر إحداهن في رجب قالت يرحم اللّه أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط‏)‏‏.‏وروى الدارقطني عن عائشة أنها قالت ‏(‏خرجت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في عمرة في رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت‏)‏‏.‏الحديث‏.‏ وقد قدمنا الكلام عليه في قصر الصلاة‏.‏ قال ابن القيم في الهدى ما اعتمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في رمضان قط وقال لا خلاف أن عمره صلى اللّه عليه وآله وسلم لم تزد على أربع فلو كان قد اعتمر في رجب لكانت خمسا ولو كان قد اعتمر في رمضان لكانت ستا إلا أن يقال بعضهن في رجب وبعضهن في رمضان وبعضهن في ذي القعدة وهذا لم يقع وإنما الواقع اعتماره في ذي القعدة كما قال أنس وابن عباس وعائشة‏:‏ قوله ‏(‏من الجعرانة‏)‏‏.‏قال في القاموس الجعرانة وقد تكسر العين وتشدد الراء‏.‏ وقال الشافعي التشديد خطأ موضع بين مكة والطائف سمي بريطة بنت سعد وكانت تلقب بالجعرانة انتهى‏.‏ قوله ‏(‏المحصب‏)‏‏.‏هو على ما في القاموس الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح وموضع رمى الجمار بمنى‏:‏ قوله ‏(‏اخرج بأختك من الحرم‏)‏‏.‏لفظ البخاري ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمره أن يردف عائشة ويعمرها من التنعيم‏)‏‏.‏وقد وقع الخلاف هل يتعين التنعيم لمن اعتمر من مكة قال الطحاوي ذهب قوم إلى أنه لا ميقات للعمرة لمن كان بمكة إلا التنعيم ولا ينبغي مجاوزته كما لا ينبغي مجاوزة المواقيت التي للحج وخالفهم آخرون فقالوا ميقات العمرة الحل وإنما أمر عائشة بالإحرام من التنعيم لأنه كان أقرب الحل إلى مكة ثم روى عن عائشة في حديثها أنها قالت فكان أدنانا من الحرم التنعيم فاعتمرت منه قال فثبت بذلك أن التنعيم وغيره سواء في ذلك وقال صاحب الهدى ولم ينقل أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اعتمر مدة إقامته بمكة قبل الهجرة ولا أعتمر بعد الهجرة إلا داخلا إلى مكة ولم يعتمر قط خارجا من مكة إلى الحل ثم يدخل إلى مكة بعمرة كما يفعل الناس اليوم ولا ثبت عند أحد من الصحابة فعل ذلك في حياته إلا عائشة وحدها قال في الفتح وبعد أن فعلته عائشة بأمره دل على مشروعيته انتهى‏.‏ ولكنه إنما يدل على المشروعية إذا لم يكن أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم بذلك لأجل تطييب قلبها كما قيل‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏من المسجد الأقصى‏)‏‏.‏فيه دليل على جواز تقديم الإحرام على الميقات ويؤيد ذلك ما أخرجه الشافعي في الأم عن عمر والحاكم في المستدرك بإسناد قوي عن علي عليه السلام ‏(‏أنهما قالا إتمام الحج والعمرة في قوله تعالى ‏{‏وأتموا الحج والعمرة للّه‏}‏ بأن تحرم لهما من دويرة أهلك‏)‏‏.‏ بل قد ثبت ذلك مرفوعا من حديث أبي هريرة قال في الدار المنثور وأخرج ابن عدي والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في قوله تعال أتمموا الحج والعمرة للّه قال إن من تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك وأما قول صاحب المنار أنه لو كان أفضل لما تركه جميع الصحابة فكلام على غير قانون الاستدلال وقد حكى في التلخيص أنه فسره ابن عينية فيما حكاه عنه أحمد بأن ينشئ لهما سفرا من أهله ولكن لا يناسب لفظ إلا هلال الواقع في حديث الباب ولفظ الإحرام الواقع في حديث أبي هريرة وفي تفسير على وعمر وقد قمنا في باب حكم العمرة تفسير آخر للآية‏.‏

 باب دخول مكة بغير إحرام بعذر

1 - عن جابر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام‏)‏‏.‏

رواه مسلم والنسائي‏.‏

2 - وعن مالك عن ابن شهاب عن أنس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاء رجل فقال ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال أقتلوه قال مالك ولم يكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يومئذ محرما‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

قوله ‏(‏عمامة سوداء‏)‏‏.‏فيه جواز لبس السواد وإن كان البياض أفضل منه لما سلف في اللباس في الجنائز قوله ‏(‏وعلى راسه المغفر‏)‏‏.‏زاد أبو عبيد القاسم بن سلام في روايته من حديد وكذا رواه عشرة من أصحاب مالك خارج الموطأ‏.‏ قال القاضي عياض وجه الجميع بينه وبين قوله ‏(‏وعلى رأسه عمامة سوداء‏)‏‏.‏ إن أول دخوله وعلى رأسه المغفر ثم بعد ذلك كان على راسه العمامة بدليل قوله في بعض الروايات فخطب الناس وعليه عمامة سوداء قوله‏:‏ فقال ابن خطل الخ إنما قتله صلى اللّه عليه وآله وسلم لأنه كان ارتد عن الإسلام وقتل مسلما كان يخدمه وكان يهجو النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ويسبه وكان له قينتان تغنيان بهجاء المسلمين‏.‏ واسم أبي خطل عبد العزى وقال محمد بن إسحاق اسمه عبد اللّه وقال ابن الكلبي اسمه غالب وخطل بخاء معجمة وطاء مهملة مفتوحتين والحديثان يدلان على جواز دخول مكة للحرب بغير إحرام وقد اعترض عليه بأن القتال في مكة خاص بالنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لما ثبت في الصحيح ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال فإن ترخص أحد لقتال لقتال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فيها فقولوا إن اللّه تعالى أذن لرسوله ولم يأذن لكم‏)‏‏.‏ فدل على عدم جواز قياس غيره عليه ويجاب بأن غاية ما في هذا الحديث اختصاص القتال به صلى اللّه عليه وآله وسلم وأما جواز المجاوزة فلا وأمته أسوته في أفعاله وقد اختلف في اختلف في المجاوزة لغير عذر فمنعه الجمهور وقالوا لا يجوز إلا بإحرام من غير فرق بين من دخل لأحد النسكين أو لغيرهما ومن فعل إثم ولزمه دم وروى عن ابن عمر والناصر وهو الأخير من قولي الشافعي وأحد قولي أبي العباس أنه لا يجب الإحرام إلا على من دخل لأحد النسكين لا على من أراد مجرد الدخول استدل الأولون بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا حللتم فاصطادوا‏}‏ وأجيب بأنه تعالى قدم تحريم الصيد عليهم وهم محرمون في قوله تعالى ‏{‏إلا ما يتلى عليكم غير محلى الصيد وأنتم حرم‏}‏ وقد علم أنه لا إحرام إلا عن أحد النسكين ثم أخبرهم بإباحة الصيد لهم إذا حلوا فليس في الآية ما يدل على المطلوب واستدلوا ثانيا بحديث ابن عباس عند البيهقي بلفظ ‏(‏لا يدخل أحد مكة إلا محرما‏)‏‏. ‏قال الحافظ وإسناده جيد ورواه ابن عدي مرفوعا من وجهين ضعيفين‏.‏ وأخرجه ابن أ‏ي شيبة عنه بلفظ ‏(‏لا يدخل أحد مكة بغير إحرام إلا الحطابين والعمالين وأصحاب منافعها‏)‏‏.‏ وفي إسناده طلحة ابن عمرو وفيه ضعف وروى الشافعي عنه أيضا أنه كان يرد من جاوز الميقات غير محرم‏.‏ وقد اعتذر بعض المتأخرين عن حديث ابن عباس هذا بأنه موقوف على ابن عباس من تلك الطريق التي ذكرها البيهقي ولا حجة فيما عداها ثم عارض ما ظنه موقوفا بما أخرجه مالك في الموطأ أن ابن عمر جاوز الميقات غير محرم فإن صح ما إدعاه من الوقف فليس في غيجاب الإحرام على من أراد المجاوزة لغير النسكين دليل وقد كان المسلمون في عصره صلى اللّه عليه وآله وسلم يختلفون إلى مكة لحوائجهم ولم ينقل أنه أمر أحدا منهم بإحرام كقصة الحجاج بن علاط وكذلك قصة أبي قتادة لما عقر حمار الوحش داخل الميقات وهو حلال وقد كان أرسله لغرض قبل الحج فجاوز الميقات لا بنية الحج ولا العمرة فقرره صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا سيما مع ما يقضي بعدم الوجوب من استصحاب البراء الأصلية إلى أن يقوم دليل ينقل عنها‏.‏

 باب ما جاء في أشهر الحج وكراهة الإحرام به قبلها

1 - عن ابن عباس ‏(‏قال من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج‏)‏‏.‏

أخرجه البخاري وله عن ابن عمر قال ‏(‏اشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة‏)‏‏.‏وللدارقطني مثله عن ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير‏.‏

2 - وروى عن أبي هريرة قال ‏(‏بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم الحج بمنى لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ويوم الحج الأكبر يوم النحر‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏

3 - وعن ابن عمر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال أي يوم هذا فقالوا يوم النحر قال هذا يوم الحج الأكبر‏)‏‏.‏

رواه البخاري وأبو داود وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ عن ابن عباس، علقه البخاري ووصله ابن خزيمة والحاكم والدارقطني من طريق الحكم عن مقسم عنه بلفظ ‏(‏لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهره‏)‏‏.‏ ورواه ابن خزيمة من وجه آخر عنه بلفظ ‏(‏لا يصلح أن يحرم بالحج أحد إلا في أشهر الحج‏)‏‏.‏ قوله وعن ابن عمر، علقه البخاري ووصله الطبري والدارقطني من طريق ورقاء عن عبد اللّه بن دينار عنه‏:‏ قوله ‏(‏ويوم الحج الأكبر يوم النحر‏)‏‏.‏إنما سمي بذلك لأن تمام أعمال الحج يكون فيه أو إشارة بالأكبر إلى الأصغر أعني العمرة‏.‏ وقد استدل المصنف بهذه الآثار على كراهة الإحرام بالحج قبل أشهر الحج وقد روى مثل ذلك عن عثمان وقال ابن عمر وابن عباس وجابر وغيرهم من الصحابة والتابعين أنه لا يصح الإحرام بالحج إلا فيها وهو قول الشافعي وقد تقرر في الأصول أن قول الصحابي ليس بحجة وليس في الباب إلا أقوال الصحابة إلا أن يصح ما ذكرنا عن ابن عباس من قوله فإن من سنة الحج الخ فإن هذه الصيغة لها حكم الرفع وقد قدمنا في آخر باب المواقيت ما يدل على استحباب الإحرام من دويرة الأهل وظاهره عدم الفرق بين من يفارق دويرة أهله قبل دخول أشهر الحج أو بعد دخولها إلا أنه يقوي المنع من الأحرام قبل أشهر الحج أن اللّه سبحانه ضرب لأعمال الحج أشهرا معلومة والإحرام عمل من أعمال الحج فمن إدعى أنه يصح قبلها فعليه الدليل وقد أجمع العلماء على أن المراد بأشهر الحج ثلاثة أولها شوال لكن اختلفوا هل هي بكمالها أو شهران وبعض الثالث فذهب إلى الأول مالك وهو قول للشافعي وذهب غيرهما من العلماء إلى الثاني ثم اختلفوا فقال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وآخرون عشر ليال من ذي الحجة وهل يدخل يوم النحر أو لا فقال أحمد وأبو حنيفة نعم وقال الشافعي في المشهور المصحح عنه لا وقال بعض أتباعه تسع من ذي الحجة ولا يصح في يوم النحر ولا في ليلته وهو شاذ ويرد على من أخرج يوم النحر من أشهر الحج قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم في يوم النحر ‏(‏هذا يوم النحر الأكبر‏)‏‏.‏كما في حديث ابن عمر المذكور في الباب‏.‏

 باب جواز العمرة في جميع السنة

1 - عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏قال عمرة في رمضان تعدجل حجة‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا الترمذي لكنه له من حديث أم معقل‏.‏

2 - وعن ابن عباس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اعتمر أربعا إحداهن في رجب‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وصححه‏.‏

3 - وعن عائشة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اعتمر عمرتين عمرة في ذي القعدة وعمرة في شوال‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

4 - وعن علي رضي اللّه عنه ‏(‏قال في كل شهر عمرة‏)‏‏.‏

رواه الشافعي‏.‏

حديث أم معقل أخرجه أيضا النسائي من طريق معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن امرأة من بني أسد يقال لها أم معقل ‏(‏قالت أردت الحج فاعتل بعيري فسألت رسول الله صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال اعتمري في شهر رمضان فإن عمرة في رمضان تعدل حجة‏)‏‏.‏وقد اختلف في إسناده فرواه مالك عن سمي عن أبي بكر بن عبد الرحمن قالت جاءت امرأة فذكره مرسلا ورواه أبو داود من طريق عمارة بن عمير وغيره عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي معقل‏.‏ ورواه أبو داود من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر ابن عبد الرحمن عن رسول مروان عن أم معقل ويجمع بين الروايتين بتعدد الواقعة‏.‏ وأما حديث ابن عباس فقد قدمنا في باب المواقيت ما يخالفه وحدييث عائشة سكت عنه أبو داود ورجال إسناده رجال الصحيح وحديث علي أخرجه البيهقي من طريق الشافعي بإسناد صحيح‏)‏‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏تعدل حجة‏)‏‏.‏ فيه دليل على أن العمرة في رمضان تعدل حجة في الثواب لا لأنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أن معنى هذا الحديث نظير ما جاء ‏(‏أن قل هو اللّه أحد تعدل ثلث القرآن‏)‏‏.‏وقال ابن العربي حديث العمرة هذا صحيح وهو فضل من اللّه ونعمة فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها‏.‏ وقال ابن الجوزي فيه أن ثواب العمل يزيد بززيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وخلوص المقصد‏:‏ قوله ‏(‏اعتمر أربعا‏)‏‏.‏قد تقدم الكلام في عدد عمره صلى اللّه عليه وآله وسلم والاختلاف في ذلك وقد وقع خلاف هل الأفضل العمرة في رمضان لهذ الحديث أو في أشهر الحج لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يعتمر إلا فيها فقيل أن العمرة في رمضان لغير النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أفضل وأما في حقه فما صنعه فهو أفضل لأنه فعله للرد على أهل الجاهلية الذين كانوا يمنعون من الاعتمار في أشهر الحج وأحاديث الباب وما ورد في معناها مما تقدم تدل على مشروعية العمرة في أشهر الحج وإليه ذهب الجمهور وذهبت الهادوية إلى أن العمرة في أشهر الحج مكروهة وعللوا ذلك بأنها تشغل عن الحج في وقته وهذا من الغرائب التي يتعجب الناظر منها فإن الشارع صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما جعل عمره كلها في أشهر الحج لإبطال ما كانت عليه الجاهلية من منع الاعتمار فيها كما عرفت فما الذي سوغ مخالفة هذه الأدلة الصحيحة والبراهين الصريحة وألجأ إلى مخالفة الشارع ومافقة ما كانت عليه الجاهلية ومجرد كونها تشغل عن أعمال الحج لا يصلح مانعا ولا يحسن نصبه في مقابلة الأدلة الصحيحة وكيف يجعل مانعا وقد اشتغل بها المصطفي في أيام الحج وأمر غيره بالاشتعال بها فيها ثم أي شغل لمن لم يرد الحج أو أراده وقدم مكة من أول شوال لا جرم من لم يشتغل بعلم السنة المطهرة حق افشتغال يقع في مثل هذه المضايق التي هي السم القتال والداء العضال‏.‏ وحكى في البحر عن الهادي أنها تكره في أيام التشريق قال أبو يوسف ويوم النحر قال أبو حنيفة ويوم عرفة‏.‏

 باب من يصنع من أراد الإحرام من الغسل والتطيب ونزع المخيط وغيره

1 - عن ابن عباس رفع الحديث إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏أن النفساء والحائض تغتسل وتحرم وتقضي المناسك كلها غير أن لا تطوف بالبيت‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والترمذي‏.‏

2 - وعن عائشة قالت ‏(‏كنت أطيب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عند إحرامه بأطيب ما أجد‏)‏‏.‏ وفي رواية ‏(‏كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا أراد أن يحرم تطيب بأطيب ما يجد ثم أرى وبيض الدهن في رأسه ولحيته بعد ذلك أخرجاهما‏.‏

حديث ابن عباس في إسناده خصيف بن عبد الرحمن الحراني كنيته أبو عون‏.‏ قال المنذري وقد ضعفه غير واحد وقال في التقريب صدوق سيء الحفظ خلط بآخره ورمى بالإرجاء‏.‏

وقد استدل المصنف بهذا الحديث على أنه يشرع للمحرم الاغتسال عند ابتداء الإحرام وهو محتمل لإمكان أن يكون الغسل لأجل قذر الحيض ولكن في الباب أحاديث تدل على مشروعية الغسل للإحرام وقد تقدمت في أبواب الغسل فليرجع إليها‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏عند إحرامه‏)‏‏.‏أي في وقت إحرامه وللنسائي حين أراد أن يحرم‏.‏ وفي البخاري لإحرامه ولحله قوله‏:‏ ‏(‏وبيض‏)‏‏.‏بالموحدة المكسورة وبعدها تحتية ساكنة وآخر صاد مهملة وهو البريق‏.‏ وقال الإسماعيلي أن الوبيص زيادة على البريق وأن المراد به التلألؤ وأنه يدل على وجود عين قائمة لا الريح‏.‏ واستدل بالحديث على استحباب التطييب عند إرادة الإحرام ولو بقيت رائحته عند الإحرام وعلى أنه لا يضر بقاء رائحته ولونه وإنما المحرم ابتداؤه بعد الإحرام قال في الفتح وهو قول الجمهور وذهب ابن عمر ومالك ومحمد بن الحسن والزهري وبعض أصحاب الشافعي ومن أهل البيت الهادي والقاسم والناصر والمؤيد باللّه وأبو طالب إلى أنه لا يجوز التطييب عند الإحرام واختلفوا هل هو محرم أو مكروه وهل تلزم الفدية أولا واستدلوا على عدم الجواز بأدلة منها ما وقع عند البخاري وغيره بلفظ ‏(‏ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرما‏)‏‏.‏والطواف الجماع ومن لازمه الغسل بعده فهذا يدل على أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم اغتسل بعد أن تطيب‏.‏ وأجيب عن هذا بما في البخاري أيضا بلفظ ‏(‏ثم أصبح محرما ينضح طيبا‏)‏‏.‏وهو ظاهر في أن نضح الطيب وظهور رائحته كان في حال إحرامه ودعوى بعضهم أن فيه تقديما وتأخيرا أو التقدير طاف على نسائه ينضح طيبا ثم أصبح محرما خلاف الظاهر ويرده قول عائشة المذكور ثم ارى وبيص الدهن في رأسه ولحيته بعد ذلك‏.‏ وفي رواية لها ثم أراه في رأسه ولحيته بعد ذلك‏.‏ وفي رواية للنسائي وابن حبان ‏(‏رأيت الطيب في مفرقه بعد ثلاث وهو محرم‏)‏‏.‏وفي رواية متفق عليها ‏(‏كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بعد أيام‏)‏‏.‏ ولمسلم ‏(‏وبيص المسك‏)‏‏.‏وسيأتي ذلك في باب منع المحرم من ابتداء الطيب ومن أدلتهمم نهيه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الثوب الذي مسه الورس والزعفران كما سيأتي في أبواب ما يتجنبه المحرم وأجيب بأن تحريم الطيب على من قد صار محرما مجمع عليه والنزاع إنما هو في التطيب عند إرادة الأحرام واستمرار أثره لا غبتدائهز ومنها أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم للأعرابي بنزع المنطقة وغسلها عن الخلوق وهو متفق عليه ويجاب عنه بمثل الجواب عن الذي قبله ولا يخفي ان غاية هذين الحديثين تحريم لبس ما مسه الطيب‏.‏ ومحل النزاع تطييب البدنولكنه سيأتي في باب ما يصنع من أحرم في قميص أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم لمن سأله بأنه يغسل الخلوق عن بدنه وسيأتي الجواب عنه‏.‏

وقد أجاب عن حديث الباب المهلب وأبو الحسن القصار وابو الفرج من المالكية بأن ذلك من خصائصه ويرده ما أخرجه أبو داود وابن أبي شيبة عن عائشة قالت ‏(‏كنا ننضح وجوهنا بالسك المطيب قبل أن نحرم ثم نحرم فنعرق ويسيل على وجوهنا ونحن مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فلا ينهانا‏)‏‏.‏وهو صريح في بقاء عين الطيب وفي عدم اختصاصه بالنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ وسيأتي الحديث في باب منع المحرم من ابتداء الطيب‏.‏ قال في الفتح ولا يقال أن ذلك خاصا بالنساء لأنهم أجمعوا أن النساء والرجال سواء في تحريم استعمال الطيب إذا كانوا محرمين وقال بعضهم كان ذلك طيبا لا رائحة له لما وقع في رواية عن عائشة ‏(‏بطيب لا يشبه طيبكم‏)‏‏.‏قال بعض رواته يعني لا بقاء له أخرجه النسائي‏.‏ ويرده ما تقدم في الذي قبله وأيضا المراد بقولها لا يشبه طيبكم أي أطيب منه كما يدل على ذلك ما عند مسلم عنها بلفظ ‏(‏بطيب فيه مسك‏)‏‏.‏وفي أخرى له عنها ‏(‏كأني أنظر إلى وبيص المسك‏)‏‏.‏وأوضح من ذلك قولها في حديث الباب بأطيب ما نجد ولهم جوابات أخرى غير ناهضة فتركها أولى‏.‏ والحق أن المحرم من الطيب على المحرم هو ما تطيب به ابتداء بعد إحرامه لا ما فعله عند إرادة الإحرام وبقي أثره لونا وريحا ولا يصح أن يقال لا يجوز استدامة الطيب قياسا على عدم جواز استدامة اللباس لأن استدامة اللبس لبس يخلاف استدامة الطيب فليست بطيب سلمنا استواءهما فهذا قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار‏.‏

3 - وعن ابن عمر في حديث له عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

هذا الحديث ذكره صاحب المذهب عن ابن عمر‏.‏ قال الحافظ كأنه أخذه من كلام ابن المنذر فإنه ذكره كذلك بغير إسناد وقد بيض له المنذري والنواوي في الكىلام على المذهب ووهم من عزاه إلى الترمذي وقد عزاه المصنف إلى أحمد قال في مجمع الزوائد أخرجه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن وهو ببعض ألفاظه للجماعة كلهم كما سياتي في باب ما يتجنبه المحرم من اللباس وهو أيضا متفق على بعض ما فيه من حديث ابن عباس ‏(‏وفيه دليل‏)‏ على أنه يجوز للمحرم لبس الإزار والرداء والنعلين وفي البخاري من حديث ابن عباس قال ‏(‏انطلق النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من المدينة بعد ما ترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه فلم ينه عن شيء من الأردية والأزر تلبس إلا المزعفرات التي تردع على الجلد‏)‏‏.‏قوله ‏(‏ وليقطعهما أسفل الكعبين‏)‏‏.‏الكعبان هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم وهذا هو المعروف عند أهل اللغة واستدل به على اشتراط القطع خلافا للمشهور عن أحمد فإنه أجاز لبس الخفين من غير قطع واستدل على ذلك بحديث ابن عباس الآتي في باب ما يتجنبه المحرم من اللباس بلفظ ‏(‏ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين‏)‏‏.‏ويجاب عنه بأن حمل المطلق على المقيد لازم وهو من جملة القائلين به وأجاب الحنابلة بجوابات أخر لعله يأتي ذكر بعضها عند ذكر حديث ابن عباس‏.‏

4 - وعن ابن عمر قال ‏(‏بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيها ما أهل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحليفة‏)‏

متفق عليه‏.‏

وفي لفظ‏:‏ ‏(‏ما أهل إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره‏)‏

أخرجاه ‏:‏ وللبخاري ‏(‏إن ابن عمر كان إذا أراد الخروج إلى مكة أدهن بدهن ليس له رائحة طيب ثم يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي ثم يركب فإذا أستوت به راحلته قائمة أحرم ثم قال هكذا رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يفعل‏)‏‏.‏

5 - وعن أنس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم صلى الظهر ثم ركب راحلته فلما علا على حبل البيداء أهل‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

6 - وعن جابر ‏(‏أن إهلال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من ذي الحليفة حين أستوت به راحلته‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏ وقال رواه أنس وابن عباس‏.‏

7 - وعن سعيد بن جبير قال ‏(‏قلت لابن عباس عجبا لأختلاف أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في إهلاله فقال إني لأعلم الناس بذلك إنما كانت منه حجة واحدة فمن هنالك اختلفوا خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حاجا فلما صلى في مسجده في ذي الحليفة ركعيتيه أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه فسمع ذلك منه أقوام فحفظوا عنه ثم ركب فلما أستقلت به ناقته أهل فأدرك ذلك منه أقوام فحفظوا عنه وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون إرسالا فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل فقالوا إنما أهل حين استقلت به ناقته ثم مضى فلما علا على شرف البيداء أهل فأدرك ذاك أقوام فقالوا إنما أهل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حين علا على شرف البيداء وأيم اللّه لقد أوجب في مصلاه وأهل حين استقلت به راحلته وأهل حين علا شرف البيداء‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏ ولبقية الخمسة منه مختصرا ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أهل في دبر الصلاة‏)‏‏.‏

حديث أنس الذي عزاه المصنف إلى أبي داود أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح إلى أشعث بن عبد الملك الحمراني وهو ثقة‏.‏ وحديث ابن عباس الذي رواه عنه سعيد بن جبير في إسناده خصيف بن عبد الرحمن الحراني وهو ضعيف ومحمد بن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث‏.‏ وقد أخرجه الحاكم من طريق أخر عن عطاء عن ابن عباس وأخرج أيضا ما أخرجه الخمسة من حديثه مختصرا‏.‏ قوله ‏(‏بيداؤكم‏)‏‏.‏البيداء هذه فوق علمي على علمي ذي الحليفة لمن صعد من الوادي قاله أبو عبيد البكري وغيره وكان ابن عمر إذا قيل له الإحرام من البيداء أنكر ذلك وقال البيداء الذي تكذبون فيها على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يعني بقولكم أنه أهل منها وإنما أهل من مسجد ذي الحليفة وهو يشير إلى قول ابن عباس عند البخاري أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم ركب راحلته حتى استوت على البيداء أهل‏.‏ وإلى حديث أنس المذكور في الباب والتكذيب المذكور المراد به الأخبار عن الشيء على خلاف الواقع وإن لم يقع على وجه العمد‏:‏ قوله ‏(‏ادهن بدهن ليست له رائحة طيبة‏)‏‏.‏فيه جواز الأدهان بالأدهان التي ليست لها رائحة طيبة وقد ثبت من حديث ابن عباس عند البخاري أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ادهن ولم ينه عن الدهن‏.‏ قال ابن المنذر أجمع العلماء على أن للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والشيرج وان يستعمل ذلك في جميع بدنه رأسه ولحيته وأجمعوا على أن الطيب لا يجوز استعماله في بدنه وفرقوا بين الطيب والزيت في هذا فقياس كون المحرم ممنوعا من استعماله الطيب في رأسه أن يباح له استعمال الزيت في رأسه وقد تقدم الكلام في الطيب‏:‏ قوله ‏(‏على حبل البيداء‏)‏‏.‏بالحاء المهملة هو الرمل المستطيل وهو المراد بقوله في الرواية الأخرى ‏(‏على شرف البيداء‏)‏‏.‏والشرف المكان العالي‏:‏ قوله ‏(‏فمن هناك اختلفوا‏)‏‏.‏الخ هذا الحديث بزول به الأشكاك ويجمع بين الروايات المختلفة بما فيه فيكون شروعه صلى اللّه عليه وآله وسلم في الأهلال بعد الفراغ من صلاته بمسجد ذي الحليفة في مجلسه قبل أن يركب فنقل عنه من سمعه يهل هنالك أنه أهل بذلك المكان ثم أهل لما أستقلت به راحلته فظن من سمع أهلاله عند ذلك أنه شرع فيه في ذلك الوقت لأنه لم سمع أهلاله بالمسجد فقال إنما أهل حين استقلت به راحلته ثم روى كذلك من سمعه يهل على شرف البيداء‏.‏ وهذا يدل على أن الأفضل لمن كان ميقاته ذا الحليفة أن يهل في مسجدها بعد فراغه من الصلاة ويكرر الأهلال عند ان يركب على راحلته وعندان يمر بشرف البيداء قال في الفتح وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك وإنما الخلاف في الأفضل‏.‏

 باب الاشتراط في الإحرام

1 - عن ابن عباس ‏(‏ان ضباعة بنت الزبير قالت يا رسول اللّه إني امرأة ثقيلة وأريد الحج فيكف تأمرني أهل فقال أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني قال فأدركت‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري وللنسائي في رواية ‏(‏ وقال فإن لك على ربك ما استثنيت‏)‏‏.‏

2 - وعن عائشة قالت ‏(‏دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على ضباعة بنت الزبير فقال لها لعلك أردت الحج قالت واللّه ما أجدني إلى وجعة فقال لها حجي واشترطي وقولي اللّهم محلى حيث حبستني وكان تحت المقداد ابن الأسود‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

3 - وعن عكرمة عن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب قالت ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أحرمي وقولي أن محلي حيث تحبسني فان حبست أو مرضت فقد حللت من ذلك بشرطك على ربك عز وجل‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

حديث عكرمة أخرجه أيضا ابن خزيمة ـ وفي الباب ـ عن أنس عند البيهقي وعن جابر عنده‏.‏ وعن ابن مسعود وأم سليم عنده أيضا‏.‏ وعن أم سلمة عند أحم الطبراني في الكبير وفي إسناده ابن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث وبقية رجاله رجال الصحيح وعن ابن عمر عند الطبراني في الكبير وفيه علي بن عاصم وهو ضعيف قال العقيلي روى عن ابن عباس قصة ضباعة بأسانيد ثابته جياد انتهى‏:‏ وقد غلط الأصلي غلطا فاحشا فقال إنه لا يثبت في الأشتراط حديث وكأنه ذهل عما في الصحيحين‏.‏ وقال الشافعي لوثبت حديث عائشة في الأستثناء لم أعده إلى غيره لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول اللّه‏.‏ قال البيهقي فقد ثبت هذا الحديث من أوجه‏.‏ قوله ‏(‏ضباعة‏)‏‏.‏بضم المعجمة بعدها موحدة قال الشافعي كنيتها أم حكيم وهي بنت عم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أبوها الزبير بن عبد المطلب بن هاشم ووهم الغزالي الأسلمية وتعقبه النووي وقال صوابه الهاشمية‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏محلى‏)‏‏.‏ بفتح الميم وكسر المهملة أن مكان إحلالي وأحاديث الباب تدل على أن من اشتراط هذا الأشتراط ثم عرض له ما يحبسه عن الحج جاز له التحلل وأنه لا يجوز التحلل مع عدم الاشتراط وبه قال جماعة من الصحابة منهم علي وابن مسعود وعمر وجماعة من التابعين وإليه ذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور وهو المصحح للشافعي كما قال النووي‏.‏ وقال أبو حنيفة ومالك وبعض التابعين وإليه ذهب الهادي أنه لا يصح الأشتراط وهو مروي عن ابن عمر‏.‏ قال البيهقي لو بلغ ابن عمر حديث ضباعة لقال به ولم ينكر الأشتراط وهو مروي عن ابن عمر‏.‏ قال البيهقي لو بلغ ابن عمر حديث ضباعة لقال به ولم ينكر الأشتراط كما لم ينكره أبوه انتهى‏.‏ وقد اعتذروا عن هذه الأحاديث بأنها قصة عين وأنها مخصوصة بضباعة وهو يتنزل على الخلاف المشهور في الأصول في خطابه صلى اللّه عليه وآله وسلم لواحد هل يكون غيره فيه أم لا داعي بعضهم إن الاشتراط منسوخ روى ذلك عن ابن عباس لكن بإسناد فيه الحسن بن عمارة وهو متروك وادعى بعض أنه لم يثبت وقد تقدم الجواب عليه‏.‏

 باب التخيير بين التمتع والأفراد والقران وبيان أفضلها

1 - عن عائشة قالت ‏(‏خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ومن أراد أن يهل بحج فليهل ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل قالت وأهل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالحج وأهل به ناس معه وأهل معه ناس بالعمرة والحج وأهل ناس بعمرة وكنت فيمن أهل بعمرة‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2 - وعن عمران بن حصين قال ‏(‏نزلت آية المتعة في كتاب اللّه تعالى ففعلناها مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولم ينزل قرآن بحرمه ولم منه عنها حتى مات‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ ولأحمد ومسلم ‏(‏نزلت آية المتعة في كتاب اللّه تعالى يعني متعة الحج وأمرنا بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم لم تنزل آية تفسخ آية متعة الحج ولم ينه عنها حتى مات‏)‏‏.‏

3 - وعن عبد اللّه بن شقيق ‏(‏أن عليا كان يأمر بالمتعة وعثمان ينهي عنها فقال عثمان كلمة فقال علي لقد علمت إنا تمتعنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال عثمان أجل ولكنا كنا خائفين‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

4 - وعن ابن عباس قال ‏(‏أهل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بعمرة وأهل أصحابه بالحج فلم يحل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا من ساق الهدى من أصحابه وحل بقيتهم‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏ وفي رواية قال ‏(‏تمتع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر عثمان كذلك وأول من نهى عنها معاوية‏)‏‏.‏ رواه أحمد والترمذي‏.‏

الرواية الأخرى حسنها الترمذي‏.‏ قوله ‏(‏فقال من أراد منكم أن يهل‏)‏‏.‏ الخ فيه الأذن منه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالحج إفرادا وقرانا تمتعا‏.‏ والأفراد هو الاهلال بالحج وحده والاعتمار بعد الفراغ من أعمال الحج لمن شاء ولا خلاف في جوازه والقرآن هو الاهلال بالحج والعمرة معا وهو أيضا متفق على جوازه أو الأهلال بالعمرة ثم يدخل عليها الحج أو عكسه وهذا مختلف فيه والتمتع هو الأعتمال في أشهر الحج ثم التحلل من تلك العمرة والأهلال بالحج في تلك السنة ويطلقة التمتع في عرف السلف على القرآن‏.‏ قال ابن عبد البر ومن التمتع أيضا القرآن ومن التمتع أيضا فسخ الحج إلى العمرة انتهى‏.‏ وقد حكى النووي في شرح مسلم الإجماع على جواز الأنواع الثلاثة وتأويل ما ورد من النهي عن التمتع من بعض الصحابة‏.‏ قوله ‏(‏وأهل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالحج‏)‏‏.‏ احتج به من قال كان حجه صلى اللّه عليه وآله وسلم مفردا وأجيب بأنه لا يلزم من أهلاله بالحج أن لا يكون أدخل عليه العمرة‏.‏

واعلم أنه قد اختلف في حجه صلى اللّه عليه وآله وسلم هل كان قرانا أو تمتعا أو أفرادا وقد اختلفت الأحاديث في ذلك فروى أنه حج قرانا من جهة جماعة من الصحابة منهم ابن عمر عند الشيخين وعنه عند مسلم وعائشة عندهما أيضا وعنها عند أبي داود وعنها عند مالك في الموطأ وجابر عند الترمذي وابن عباس عند أبي داود وعمر بن الخطاب عند البخاري وسيأتي والبراء بن عازب عند أبي داود وسيأتي وعلى عند النسائي وعنه عند الشيخين وسيأتي‏.‏ وعمران بن حصين عند مسلم‏.‏ وأبو قتادة عند الدارقطني‏.‏ قال ابن القيم وله طرق صحيحة وسراقة بن مالك عند أحمد وسيأتي ورجال إسناده ثقات‏.‏ وأبو طلحة الأنصاري عند أحمد وابن ماجه في إسناده الحجاج بن ارطأة والهرماس بن زياد الباهلي عند أحمد أيضا وابن أبي أوفى عند البزار بإسناد صحيح‏.‏ وأبو سعيد عند البزار‏.‏ وجابر بن عبد اللّه عند أحمد وفيه الحجاج بن أرطأة وأم سلمة عنده أيضا‏.‏ وحفصة عند الشيخين وسعد ابن أبي وقاص عند النسائي والترمذي صححه‏.‏ وأنس عند الشيخين وسيأتي وأما حجة تمتعا فروى عن عائشة وابن عمر عند الشيخين وسيأتي وعلي وعثمان عند مسلم وأحمد كما في الباب وابن عباس عند أحمد والترمذي كما في الباب أيضا‏.‏ وسعد بن أبي وقاص كما سيأتي وأما حجة افرادا فروي عن عائشة كما في حديث الباب وعنها عند البخاري كما سيأتي‏.‏ وعن ابن عمر عند أحمد ومسلم كما سيأتي أيضا وابن عباس عند مسلم‏.‏ وجابر عند ابن ماجه وعنه عند مسلم

وقد اختلفت الأنظار واضطربت الأقوال لاختلاف هذه الأحاديث فمن أهل العلم من جمع بين الروايات كالخطابي فقال ان كلا أضاف إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ما أمر به اتساعا ثم رجح أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أفرد الحج وكذا قال عياض وزاد فقال وأما احرامه فقد تظافرت الروايات الصحيحة بأنه كان مفردا وأما رواية من روى التمتع فمعناه أنه أمر به لأنه صرح بقوله ‏(‏ولولا أن معي الهدى لاحللت‏)‏‏.‏ فصح أنه لم يتحلل‏.‏ وأما رواية من روى القران فهو أخبار عن آخر أحواله لأنه أدخل العمرة على الحج لما جاء إلى الوادي وقيل قل عمرة في حجة‏.‏ قال الحافظ وهذا الجمع هو المعتمد وقد سبق إليه قديما ابن المنذر وبينه ابن حزم في حجة الوداع بيانا شافيا ومهده المحب الطبري تمهيدا بالغا يطول ذكره ومحصله ان كل من روى عنه الافراد حمل على ما أهل به في أول الحال كل من روى عنه التمتع أراد ما أمر به وكل من روى عنه القران أراد ما أستقر عليه الأمر وجمع شيخ الإسلام ابن تيمية جمعا حسنا فقال ما حاصله أن التمتع عند الصحابة يتناول القران فتحمل عليه رواية من روى أنه حج تمتعا وكل من روى الأفراذ قد روى أنه حج صلى اللّه عليه وآله وسلم تمتعا وقرانا فيتعين الحمل على القران وأنه أفرد أعمال الحج ثم فرغ منا وأتى بالعمرة‏.‏ ومن أهل العلم من صار إلى التعارض فرجح نوعا وأجاب عن الأحاديث القاضية بما يخالفه وهي جوابات طويلة أكثرها متسفة وأورد كل منهم لما اختاره مرجحات أقواها وأولاها مرجحات القران فإنه لا يقاومها شيء من مرجحات غيره‏.‏ منها أن أحاديثه مشتملة على زيادة على من روى الأفراد وغيره والزيادة مقبولة إذا خرجت مخرج صحيح فكيف إذا ثبتت من طرق كثيرة عن جمع من الصحابة‏.‏ ومنها أن من روى الأفراد والتمتع اختلف عليه في ذلك لأنهم جميعا روى عنهم أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم حج قرانا‏.‏ ومنها أن روايات القرآن لا تحتمل التأويل بخلاف روايات الأفراد والتمتع فإنها تحتمله كما تقدم‏.‏

ومنها أن رواة القران أكثر كما تقدم‏.‏ ومنها أن فيهم من أخبر عن سماعه لفظا صريحا وفيهم من أخبر عن اخباره صلى اللّه عليه وآله وسلم بأنه فعل ذلك وفيهم من أخبر عن أمر ربه بذلك‏.‏ ومنها أنه النسك الذي أمر به كل من ساق الهدى فلم يكن ليأمرهم به إذا ساقوا الهدى ثم يسوق هو الهدى ويخالفه وقد ذكر صاحب الهدى مرجحات غيره هذه ولكنها مرجحات باعتبار أفضلية القران على التمتع والأفراد لا باعتبار أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم حج قرانا وهو بحث آخر قد اختلفت فيه المذاهب اختلافا كثيرا فذهب جمع من الصحابة والتابعين وأبو حنيفة وإسحاق ورجحه جماعة من الشافعية منهم النووي والمزني وابن المنذر وأبو إسحاق المروزي وتقي الدين السبكي إلى أن القران أفضل‏.‏ وذهب جمع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم كمالك وأحمد والباقر والصادق والناصر وأحمد بن عيسى وإسماعيل بن جعفر الصادق وأخيه موسى والأمامية إلى أن التمتع أفضل‏.‏ وذهب جماعة من الصحابة وجماعة من بعدهم وجماعة من الشافعية وغيرهم ومن أهل البيت الهادي والقاسم والأمام يحيى وغيرهم من متأخريهم إلى أن الأفراذ أفضل وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء أن الأنواع الثلاثة الفضل سواء قال في الفتح وهو مقتضى تصرف ابن خزيمة في صحيحه‏.‏ وقال أبو يوسف القران والتمتع في الفضل سواء وهما أفضل من الافراد‏.‏ وعن أحمد من ساق الهدى فالقران أفضل له ليوافق فعل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ومن لم يسق الهدى فالتمتع أفضل له ليوافق ما تمناه وأمر به أصحابه زاد بعض أتباعه ومن أراد أن ينشئ لعمرته من بلد سفره فالأفراد أفضل له قال وهذا أعدل المذاهب وأشبهها بموافقة الأحاديث الصحيحة ولكن المشهور عن أحمد أن التمتع أفضل مطلقا وقد احتج القائلون بأن القران أفضل بحجج منها أن اللّه اختاره لنبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ ومنها أن قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم دخلت العمرة في الحج إلىيوم القيامة يقتضى أنها قد صارت جزأ منه أو كالجزء الداخل فيه بحيث لا يفصل بينها وبينه ولا يكون ذلك إلا مع القران‏.‏ ومنها أن النسك الذي اشتمل على سوق الهدى افضل واستدل من قال بأن التمتع أفضل بما اتفق عليه من حديث جابر وغير أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدى ولجعلتها عمرة‏)‏‏.‏ قالوا و رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا يتمنى إلا الأفضل واستمراره في القران إنما كان لاضطرار السوق إليه وهذا هو الحق فإنه لا يظن أن نسكا أفضل من نسك اختاره صلى اللّه عليه وآله وسلم لافضل الخلق وخير القرون وأما ما قيل من أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما قال كذلك تطبيبا لقلوب أصحابه لحزنهم على فوات موافقته ففاسد لان المقام مقام تشريع للعبادة وهو لا يجوز عليه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يخبر بما يدل على أن ما فعلوه من التمتع أفضل مما استمر عليه من القران والأمر على خلاف ذلك وهو هذا الا تغرير يتعالى مقام النبوة بالجملة لم يوجد في شيء من الأحاديث ما يدل على أن بعض الأنواع أفضل من بعض غيره هذا الحديث فالتمسك به متعين ولا ينبغي أن يلتفت إلى غيره من الرجحات فإنها في مقابلته ضائعة ‏.‏

واحتج من قال بأن الأفراد أفضل أن الخلفاء الراشدين رضي اللّه عنهم أفردوا الحج وواظبوا على إفراده فلولم يكن أفضل لم يواظبوا عليه وبأن الافراد لا يجب فيه دم قال النووي بالإجماع وذلك لكماله ويجب الدم في التمتع والقران وهو دم جبران لفوات الميقات وغيره فكان مالا يحتاج إلى جبران أفضل‏.‏ ومنها أن الأمة أجمعت على جواز الافراد من غير كراهة وكره عمر وعثمان وغيرهما التمتع وبعضهم ويجاب عن هذا كله بأن الافراد لو كان أفضل لفعله النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أو تمنى فعله بعد أن صار ممنوعا بالسوق والكل ممنوع والسند ما سلف من أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم حج قرانا وأظهر أنه كان يود أن يكون حجه تمتعا وهذان البحثان أعني تعيين ما حجه صلى اللّه عليه وآله وسلم من الأنواع وبيان ما هو الأفضل منها من المضايق ومواطن البسط وفيما حررناه مع كونه في غاية الإيجاز ما يغني اللبيب‏.‏

5 - وعن حفصة أم المؤمنين ‏(‏قالت قلت للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ما شأن الناس حلو ولم تحل من عمر تلك قال أني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أحل من الحج‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا الترمذي‏.‏

6 - وعن غنيم بن قيس المازني قال ‏(‏سألت سعد بن أبي وقاص عن المتعة في الحج فقال فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعروش يعني بيوت مكة يعني معاوية‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

7 - وعن الزهري عن سالم عن أبيه قال ‏(‏تمتع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدى من ذي الحليفة وبدأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى فساق الهدى ومنهم من لم يهد فلما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مكة قال للناس من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ومن لم يكن منكم أهدى الميطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحل ثم ليهل بالحج وليهد فمن لم يجد هديا فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله وطاف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حين قدم مكة فاستلم الركن أول شيء ثم خب ثلاثة أشواط من السبع ومشى أربعة أطواف ثم ركع حين قضي طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ثم سلم فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف ثم لم يتحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجة ونحر هدية يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت ثم حل من كل شيء حرم منه وفعل مثل ما فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من أهدى فساق الهدى‏)‏‏.‏ وعن عروة عن عائشة مثل حديث سالم عن أبيه‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏

قوله ‏(‏ولم تحل‏)‏‏. ‏في رواية للبخاري ‏(‏ولم تحلل‏)‏‏.‏ بلامين وهو إظهار شاذ وفيه لغة معروفة‏.‏ قوله ‏(‏لبدت‏)‏‏. ‏بتشديد الموحدة أي شعر رأسي وهو أن يجعل فيه شيء ملتصق ويؤخذ منه استحباب ذلك للمحرم‏.‏ قوله ‏(‏فلا أحل من الحج‏)‏‏.‏ يعني حتى يبلغ الهدى محله‏.‏ واستدل به على أن من اعتمر فساق هدايا لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هدية يوم النحر‏.‏ قوله ‏(‏بالعروش‏)‏‏.‏جمع عرش يقال لمكة وبيوتها كما في القاموس‏.‏ قوله ‏(‏تمتع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏. ‏الخ قال المهلب معناه أمر ذلك لأنه كان ينكر على أنس قوله أنه قرن ويقول أه. كان مفردا‏.‏ وله ‏(‏فأهل بالعمرة‏)‏‏.‏ قال المهلب معناه أمرهم بالتمتع وهو أن يهلوا بالعمرة أولا ويقدموها قبل الحج قال ولا بد من هذا التأويل لدفع التناقض عن ابن عمر‏.‏ وقال ابن المنير أن حمل قوله تمتع على معنى أمر من أبعد التأويلات والاستشهاد عليه بقوله رجم وإنما أمر بالرجم من أوهن الاستشهادات لأن الرجم وظيفة الإمام والذي يتولاه إنما يتولاه نيابة عنه وأما أعمال الحج من إفراد وقران وتمتع فإنه وظيفة كل أحد عن نفسه ثم أورد تأويل آخر وهو أن الراوي عهد أن الناس لا يفعلون إلا كفعله لا سيما مع قوله ‏(‏خذوا عني مناسككم‏)‏‏.‏فلما تحقق أن الناس تمتعوا ظن أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم تمتع فأطلق ذلك‏.‏ قال الحافظ ولا يتعين هذا أيضا بل يحتمل أن يكون معنى قوله تمتع محمولا على مدلوله اللغوي وهو الانتفاع بإسقاط عمل العمرة والخروج إلى ميقاتها وغيره‏.‏ قال النووي إن هذا هو المتعين قوله‏:‏ بالعمرة إلى الحج‏.‏ قال المهلب أيضا أي أدخل المرة على الحج‏.‏ قوله ‏(‏فإنه لا يحل من شيء حرم عليه‏)‏‏.‏تقدم بيانه‏:‏ قوله ‏(‏وليقصر‏)‏‏. ‏قال النووي معناه أنه ليفعل الطواف والسعي والتقصير يصير حلالا وهذا دليل على أن الحلق والتقصير نسك وهو الصحيح وقيل استباحة محظور قال وإنما أمره بالتقصير دون الحلق مع أن الحلق أفضل ليبقى له شعر يحلقه في الحج‏:‏ قوله ‏(‏وليحل‏)‏‏. ‏هو أمر معناه الخبر أي قد صار حلالا فله فعل كل ما كان محظورا عليه في الإحرام قوله‏:‏ ‏(‏ثم يهل بالحج‏)‏‏. ‏أي يحرم وقت خروجه إلى عرفة ولهذا أتي بثم الدالة على التراخي فلم يرد أنه يهل بالحج عقب احلالا من العمرة‏:‏ قوله ‏(‏وليهد‏)‏‏. ‏أي هدى التمتع قوله ‏(‏فمن لم يحل‏)‏‏. ‏الخ أي لم يجد الهدى بذلك المكان أو لم يجد ثمنه أو كان يجد هديا ولكن يمتنع صاحبه من بيعه أو يبيعه بغلاء فينتقل إلى الصوم كما هو نص القرآن والمراد بقوله تعالى ‏{‏في الحج‏}‏ أي بعد الاحرام به‏.‏ قال النووي هذا هو الأفضل‏.‏ وإن صامها قبل الأهلال بالحج أجزأه على الصحيح‏.‏ وأما قبل التحلل من العمرة فلا على الصحيح‏.‏ وجوزه الثوري وأهل الرأي‏:‏ قوله ‏(‏ثم خب‏)‏‏.‏ سيأتي الكلام عليه في الطواف ويأتي الكلام أيضا على صلاة الركعتين والسعي بين الصفا والمروة ونحر الهدى والأفاضة وسوق الهدى ‏(‏وقد استدل‏)‏ بالأحاديث المذكورة على أن حجة صلى اللّه عليه وآله وسلم كان تمتعا وقد تقدم الكلام على ذلك في أول الباب‏.‏ قوله ‏(‏من أهدى فساق الهدى‏)‏‏. ‏الموصول فاعل قوله فعل أي فعل من أهدى فساق الهدى مثل ما فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ وأغرب الكرماني فشرحه على ان فاعل فعل هو ابن عمر راوي الخبر وفصل في رواية أبي الوقت بين قوله فعل وبين قوله من أهدى بلفظ باب قال في الفتح وهذا خطأ شنيع وقال أبو الوليد أمرنا أبو ذران نضرب على هذه الترجمة يعني قوله من أهدى وساق الهدى وذلك لظنه بأنها ترجمة من البخاري فحكم عليها بالوهم‏.‏

7 - وعن القاسم عن عائشة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم افرد الحج‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏

8 - وعن نافع عن ابن عمر قال ‏(‏أهللنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالحج مفردا‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏ ولمسلم ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أهل بالحج مفردا‏)‏‏.‏

9 - وعن بكر المزني عن أنس قال ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعا يقول لبيك عمرة وحجا‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

10 - وعن أنس أيضا ‏(‏قال خرجنا نصرخ بالحج فلما قدمنا مكة أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن نجعلها عمرة وقال لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لجعلتها عمرة ولكن سقت الهدى وقرنت بين الحج والعمرة‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

11 - وعن عمر بن الخطاب قال ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو بوادي العقيق يقول أتاني الليلة آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري وابن ماجه وأبو داود وفي رواية للبخاري ‏(‏وقل عمرة وحجة‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أفرد الحج‏)‏‏.‏ قد تقدم إن رواية الافراد غير منافية لرواية القران لأن من روى القرآن ناقل للزيادة وغاية الأمر أن يجمع بأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أهل أولا بالحج مفردا ثم أضاف إليه العمرة وأما قول ابن عمر أهللنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالحج مفردا فليس فيه ما ينافي قول من قال أن حجة صلى اللّه عليه وآله وسلم كان قرانا أو تمتعا لأنه أخبر عن اهلالهم مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولم يخبر عن أهلاله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏:‏ قوله ‏(‏يقول لبيك عمرة وحجة‏)‏‏.‏ هو من أدلة القائلين بأن حجة صلى اللّه عليه وآله وسلم كان قرانا وقد رواه عن أنس جماعة من التابعين منهم الحسن البصري وأبو قلابة وحميد بن هلال وحميد بن عبد الرحمن الطويل وقتادة ويحيى بن سعيد الأنصاري وثابت البناتي وبكر ابن عبد اللّه المزني وعبد العزيز بن صهيب وسليمات ابن أبي إسحاق وزيد بن أسلم ومصعب بن سليم وأبو قدامة عاصم بن حسين وسويد بن حجر الباهلي قوله ‏(‏خرجنا نصرخ بالحج فيه حجة للجمهور والقائلين أنه يستحب رفع الصوت بالتلبية وقد أخرج مالك في الموطأ وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم من طريق خلاذ بن السائب عن أبيه مرفوعا جاء في جبريل فأمرني أن آمر أصحابي يرفعون أصواتهم بالاهلال وروى ابن القاسم عن مالك أنه لا يرفع الصوت بالتلبية إلا عند المسجد الحرام ومسجد منى‏.‏ قوله ‏(‏لواستقبلت‏)‏‏.‏ الخ هو متفق عليه مثل معناه من حديث جابر وبه استدل من قال بأن التمتع أفضل أنواف الحج وقد تقدم البحث عن ذلك‏.‏ قوله أتاني الليلة آت هن جبريل كما في الفتح قوله‏:‏ ‏(‏فقال صل في هذا الوادي المبارك‏)‏‏.‏ هو وادي العقيق وهو بقرب العقيق بينه وبين المدينة أربعة أميال وروى الزبير بن بكار في أخبار المدينة أن تبعا لما انحدر في مكان عند رجوعه من المدينة قال هذا عقيق الأرض فسمى العقيق‏:‏ قوله ‏(‏وقل عمرة في حجة‏)‏‏.‏ برفع عمرة في أكثر الروايات وبنصبها في بعضها باضمار فعل أي جعلتها عرمو وهو دليل على أن حجة صلى اللّه عليه وآله وسلم كان قرانا وأبعد من قال أن معناه أنه يعتمر في تلك السنة بعد فراغ حجة‏.‏ وظاهر حديث عمر هذا أن حجة صلى اللّه عليه وآله وسلم القران كان بأمر من اللّه فكيف يقول صلى اللّه عليه وآله وسلم لو استقبلت من ما استدبرت لجعلتها عمرة فينظر في هذا فإن أجيب بأنه إنما قال ذلك تطيبا لخواطر أصحابه فقد تقدم أنه تعزير لا يليق نسبة مثله إلى الشارع‏.‏

12 - وعن مروان بن الحكم ‏(‏قال شهدت عثمان وعليا وعثمان ينهي عن المتعة وان يجمع بينما فلما رأى ذلك على أهل بهما لبيك بعمرة وحجة وقال ما كنت لأدع سنة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بقول أحد‏)‏‏.‏

رواه البخاري والنسائي‏.‏

13 - وعن الصبي بن معبد قال ‏(‏كنت رجلا نصرانيا فأسلمت فاهللت بالحج والعمرة قال فسمعني زيد بن صوخان وسلمان بن ربيعة وأنا أهل بهما فقالا لهذا أضل من بعير أهله فكأنما حمل على بكلمتيهما جبل فقدمت على عمر بن الخطاب فأخبرته فاقبل عليهما فلامهما وأقبل على فقال هديت لسنة نبيك محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه والنسائي‏.‏

الحديث أخرج نحوه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وان يجمع بينهما‏)‏‏.‏ يحتمل أن تكون الواو عاطفة فيكون نهى عن التمتع والقران معا ويحتمل أن يكون عطفا تفسيريا وهو على ما تقدم أن السلف كانوا يطلقون على القران تمتعا فيكون المراد ان يجمع بينهما قرانا أو ايقاعا لها في سنة واحدة بتقديم العمرة على الحج وقد زاد مسلم أن عثمان قال لعلي دعنا عنك فقال علي أني لا أستطيع ان أدعك وقد تقدم في أول الباب أن عثمان قال أجل ولكنا كنا خائفين‏:‏ قوله ‏(‏عن الصبي‏)‏‏.‏ هو بضم الصاد المهملة وفتح الموحدة بعدها تحتية قال في التقريب صبي بالتصغير ابن معبد التغلبي بالمثناة والمعجمة وكسر اللام ثقة مخضرم نزل الكوفة من الثانية‏:‏ قوله ‏(‏زيد بن صوخان‏)‏‏.‏بضم الصاد المهملة بعدها واو ساكنة ثم معجمة مخففة‏:‏ قوله ‏(‏فكأنما حمل على بكلمتيهما جبل‏)‏‏. ‏يعني أنه ثقل عليه ما سمعه منهما من ذلك اللفظ الغليظ‏:‏ قوله ‏(‏هديت لسنة نبيك‏)‏‏. ‏هو من أدلة القائلين بتفضيل القران ولا يخفى أنه لا يصح للاستدلال به على الأفضلية لأنه لا خلاف أن الثلاثة الأنواع ثابتة من سنته صلى اللّه عليه وآله وسلم إما بالقول أو بالفعل ومجرد نسبة بعضها إلى السنة لا يدل على أنه أفضل من غيره مع كونها مشتركة في ذلك‏.‏

14 - وعن سراقة بن مالك قال ‏(‏سمعت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة قال وقرن رسول اللّه في حجة الوداع‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

15 - وعن البراء بن عازب قال ‏(‏لما قدم على من اليمن على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال وجدت فاطمة قد لبست ثيابا صبيغا وقد نضحت البيت بنضوح فقالت مالك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قد أمر أصحابه فحلوا قال قلت لها إني أهلك باهلال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال فأيتت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال لي كيف صنعت قال قلت فقال لي انحر من البدن سبعا وستين أو ستا وستين وانسك لنفسك ثلاثا وثلاثين أو أربعا وثلاثين وأمسك لي من كل بدنة منها بضعة‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

حديث سراقة في إسناده داود بن يزيد الاودي وهو ضعيف‏.‏ وقد أخرج نحوه أحمد وأبو داود والنسائي عن ابن عباس‏.‏ وسيأتي في باب فسخ الحج وحديث البراء أخرجه أيضا النسائي‏.‏ وفي إسناده يونس بن إسحاق السبيعي‏.‏ وقد احتج به مسلم‏.‏ وأخرج له جماعة‏.‏ وقال الإمام أحمد حديثه فيه زيادة على حديث الناس وقال البيهقي كذا في هذه الرواية وقرنت وليس ذلك في حديث جابر حين وصف قدوم علي واهلاله‏.‏ وحديث جابر أصح سندا وأحسن سياقة ومع حديث جابر حديث أنس يريد أن حديث أنس ذكر فيه قدوم علي وذكر اهلاله وليس فيه قرنت وهو في الصحيحين‏:‏ قوله ‏(‏دخلت العمرة في الحج‏)‏‏.‏ قد تقدم أنه يدل على أفضلية القران لمصير العمرة جزأ من الحج أو كالجزء‏:‏ قوله ‏(‏صبيغا‏)‏‏.‏فعيل ههنا بمعنى مفعول أي مصبوغات‏:‏ قوله ‏(‏وقد نضحت‏)‏‏.‏ بفتح النون والضاد المعجمة والحاء المهملة ‏:‏ قوله ‏(‏بنضوح‏)‏‏.‏ بفتح النون وضم الضاد المعجمة بعد الواو حاء مهملة وهي ضرب من الطيب‏:‏ قوله ‏(‏فقالت‏)‏‏.‏ ههنا كلام محذوف تقديره فانكر عليها صبغ ثيابها ونضج بيتها بالطيب فقالت الخ‏:‏ قوله ‏(‏قد أمر أصحابه فحلوا‏)‏‏. ‏في رواية لمسلم فوجد فاطمة ممن حلت ولبست صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها قالت أمرني أبي بهذا‏)‏‏. ‏قوله‏:‏ ‏(‏أو ستا وستين‏)‏‏.‏ هكذا في سنن أبو داود وكان جملة الهدى الذي قدم به على من اليمن والذي أتى به رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مائة كما في صحيح مسلم‏.‏ وفي لفظ لمسلم ‏(‏فنحر ثلاثا وستين بيده ثم أعطى عليا فنحر ما غبر‏)‏‏.‏ قال النووي والقرطبي ونقله القاضي عن جميع الرواة‏.‏ إن هذا هو الصواب لا ما وقع في رواية مسلم ‏(‏ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر وطبخت فأكل هو وعلي من لحمها وشرابها من مرقها‏)‏‏. ‏واستدل بحديث سراقة والبراء من قال إن حجه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان قرانا وقد تقدم الكلام على ذلك واستدل بحديث علي على صحة الإحرام معلقا وعلى جواز الأشتراك في الهدى وسيأتي الكلام على ذلك‏.‏